الفوائد الفرائد
في حكم شراء واستعمال الجرائد
كتبه : أبو بكر يوسف لعويسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى آثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة إلى ذوي العقول والألباب، أذكرهم فيها بتعظيم السنة والكتاب كما أمر الملك الوهاب، ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
كل يوم تطلع فيه شمس الزمان تطلع معه علينا صحف كثيرة متنوعة تحمل في طياتها الحق والباطل، والغث والسمين، وكل إناء بما فيه ينضح، وكل فكر عما احتوى يفصح، والناس معادن ولهم مشارب، والطيور على أشكالها تقع فتتصفح, هذا في أحوال الناس وذاك في السياسة، وآخر في الاجتماعيات لا يبرح .. وهكذا.
ولقد اعتاد الكثير من الناس على شراء هذه الجرائد ، ليقضوا بها أوقاتهم ، ويطلعوا على أخبار من حولهم في هذا العالم المتصارع ، فمنهم من يأتي عليها كلها ، لايترك شاردة ولا واردة إلا قرأها ، ثم يدخرها للتاريخ ، ومنهم من يدخرها حتى إذا بلغت كمية معتبرة باعها ، ومنهم من يلقي فيها مجرد نظرة ثم يرمي بها ، ومنهم بين ذلك ، والملاحظ على غالبية الناس عدم احترامها، واحترام ما فيها ، فتجد الكثير منهم من يستعملها في أغراض دنيئة مختلفة ، فمنهم من يمسح بها زجاج السيارات ، وواجهات المحلات ، ومنهم من ينظف بها المنازل والمطابخ ، ومنهم من يبيعها على التجار ليزنوا فيها السمك والفواكه والخضروات ، ثم يرمي بها جميعا على الأرض أو في المزابل ، دون وعي أو تفكير في العواقب ، وهذه الأعمال مشينة لا تليق بالمسلم ، فليس من شيم المؤمن ولا من كرمه إهانة ما عظمه الله ورفعه مما يحمل العلم ، حتى لو كان مخالفا لمعتقده ، فلا ينبعي له إهانة تلك الجرائد عامة ، وبالخصوص تلك التي تصدر باللغة العربية ، لغة القرآن الكريم ، وكلام الله العظيم ، ولبيان وتوضيح الحكم الشرعي أذكر العلل التي من أجلها ينبغي أن ترفع ، وتحترم ويحافظ عليها ومن ثم يُبنى عليها ذلكم الحكم ،لأن القاعدة تقول : الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، وإليكموها باختصار .
1- ما تحمله من آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وأسماء الله وصفاته كعبد الرحمن، وعبد الله ، وعبد الوهاب ،وعبد المنان ، وعبد الأعلى وغيرها.. مما يذكر من الأسماء مما عُبد لله تعالى واشتق له منه صفة تليق بجلاله وكماله ، فاستعمالها في تلك الأعمال ، وبتلك الطرق إهانة لها ، ولما تحمله من كلام العزيز الحكيم ، وكلام رسوله الرؤوف الرحيم ، وإهانة لأسماء الله وصفاته ، التي تحملها أسماء عبيده ، ، فإذا لم تحفظ في أماكن طاهرة عالية ، ورميت على الأرض ليطأها المارة بأرجلهم ، ولو دون قصد منهم، يكون الرامي لها متسببا في إهانتها ، ومشتركا في هذه الجريمة التي لم يقصدها المار ، أو أنها ترمى في المزابل لتخلتط بالنجاسات والقاذورات ، فهذه أعمال سيئات ، ينبغي على المسلم أن يتنزه عنها ، والأقبح من ذلك أن ترى في مغاسل السيارات أكوام من الجرائد لا تستعمل في مسح الزجاج فحسب ، بل توضع على الأرضية الأمامية لمقعد السائق ومن بجنبه ليضع عليها رجليه حتى لا تتسخ تلك الأرضية ، ولاحرج عنده أن يطأ كلام الله ، وما في معناه ، ويتسخ كلام الله ورسوله ويداس بالأقدام ويهان، وفتاوى ورثته من بعده وغير ذلك من أمور العلم بأوساخ ما يحمله حذاء صاحب السيارة وصاحبه ، مع أن هؤلاء إذا جاء أحدهم إلى المسجد نزع حذاءه ، بل يجد على إحدى أسطوانات المسجد القريبة من الباب . من فضلك انزع شرابك ، فينزعه حفاظا على نظافة المسجد – زعموا – أما أن يرى الجريدة توضع تحت قدميه ، وفيها كلام الله وأسمائه أو صفاته ، وكلام رسوله ، فهذا يدوسه ولا يبالي ، أو هو في غفلة تامة عنه ولا ينتبه إليه ، كما لا ينتبه المسلمون لما يحاك لهم ليس في الظلام ، وإنما في الضوء والعلانية ..والأقبح من هذا كله أن ترى من يحمل زجاجات الخمر في هذه الجرائد التي تحمل كلام الله وأسمائه وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
2- هذه الجرائد تصدر باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، لغة الإعجاز، لغة التحدي والتصدي، فإهانتها إهانة للكتاب العزيز، إهانة للإعجاز، وتعظيمها تعظيم لكلام الله ورسوله، وتعظيم لما شرفه الله وعظمه بقوله:{{ قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون }} وقوله:{{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون }} وقد تكرر التنبيه إلى عربيته في ستة مواضع من القرآن الكريم، كل موضع وما يناسبه، ففي الآية الأولى ذكر سبحانه: أنه عربي غير ذي عوج أي ليس فيه اعوجاج، ويفهم منه أن العربية الفصحى التي نزل بها القرآن لا اعوجاج فيها، وختمها بقوله لعلكم تتقون، وفي الثانية ذكر أنه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون فتفهموا المراد منه لأنه بلسانكم، وفي الثالثة قال:{{ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون }} فذكر أنه فصل آياته بالعربية التي لا اعوجاج فيها ، ولا ألغاز، ثم ختمها يقوله لقوم يعلمون ،أي المراد من الخطاب، وفي رابعة قال : {{ وكذلك أوحينا إليك قرآن عربييا لتنذر أم القرى ..}} فأوحى الله إلى نبيه بقرآن عربي مبين أو واضح، مفهوم المعنى لا يشكل على من نزل بلسانهم، لينذر به ومن بلغ، غير ذي عوج أي فصيح لأنه عربي، والعربية كذلك وهو لقوم يعقلون عن الله مراده فيعلمون ما أراده منهم فيتقون بما علموا من بلاغته وإعجازه، وبما عقلوا من فصاحته ، وأحكامه ،ومن تمام التقوى للذين يعقلون أنهم يعظمون القرآن وما تضمنه لأنه كلام العزيز الحكيم ، فعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل قالت << القرآن أفضل من كل شيء دون الله ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه ، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ، ومن لم يوقر القرآن فقد استخف بحق الله وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده ، والقرآن شافع ومشفع ..>> أنظر له كنز العمال للتقي الهندي [1/360-361]المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد. قال أبو نصر السجزي في الإبانه: هذا أحسن الحديث وأعذبه، وليس في إسناده إلا مقبول ثقة.
أما الصحف التي تصدر بغير العربية فعلى المسلم أن يحترمها، وأن يحفظها أيضا ولا يهينها لأنها تحمل أيضا أسماء الله، وتحمل فوائد علمية دينية ودنيوية، والإسلام يأمر أتباعه بالتأدب مع العلم أي كان مصدره حتى لو كان محرفا أو فيه شيء من الباطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم التوراة مع علمه بأنها محرفة ،ومبدلة ، فقد أخرج أبو داود في سننه حديثا بوب عليه باب تعظيم المصحف وتوقيره ، عن ابن عمر قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله إلى القف {وهو واد بالمدينة }فأتاهم في بيت المدراس {أي المكان الذي يدرسون فيه } فقالوا : يا أبا القاسم : إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم .فوضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال: << إيتوني بالتوراة >> فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها، ثم قال: << أمنت بك وبمن أنزلك ..>> والحديث حسن أنظر له صحيح سنن أبي داود [ح3739]فهذا رسول الله لما وضعت التوراة على الأرض مع تحريفها وما فيها من الباطل رفعها واحترمها ووضعها فوق الوسادة التي وضعت له ليجلس عليها، فعلى المسلم أن يتأدب بآداب الإسلام مع الثقافات الأخرى اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم حتى لو كان فيها شيء من الباطل أو أغلبها باطل ، مما يخالف معتقده ، وإنما يحترمها لما فيها من الحق ولو كان سيئا يسيرا ، واضعف الإيمان أن تحفظها أو أن تحرقها .
3 – ما تحمله من الصور: لا تخلوا جريدة من الجرائد من صور بني آدم، وهذه الصور توضع للتعريف بأصحابها، أو للإشهار بها؛ أو بما عندها، وفيها صور لأناس كبراء وعلماء فضلاء ، ومفكرين نجباء ، من مبدعين وباحثين ومجتهدين عقلاء ،كل حسب اختصاصه، ولقد كرم الله سبحانه وتعالى بني آدم على غيره من المخلوقات قال سبحانه :{{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ..}} وذلك التكريم يشمل بني آدم كلهم، بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم ودياناتهم، وتكريمهم بالعقل الذي يميزون به بين الحق والباطل, ومن تكريمهم أيضا خلقهم في أحسن صورة, وفي أحسن تقويم فتبارك الله أحسن الخالقين.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:<< إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه, ولا تقل قبح الله وجهك ووجه من شبه وجهك, فان الله تعالى خلق آدم على صورته >> الصحيحة [862]ومن هنا أوجه نداء للعقلاء من المسلمين أن لا يرموا هذه الجرائد في المزابل وعلى الأرض حتى لا يداس ما فيها من الآيات والأحاديث والصور بالاقدام , ولا يستعملوها في أغراض دنيئة , كالاستنجاء بها , و الجلوس عليها , وإزالة الأوساخ بها , وعليهم أن يكرموها , تكريما لما كرمه الله تعالى , وتشريفا لما شرفه الله ورفع قدره إذ جعله خليفته في الأرض , فكل واحد منا لا يحب أن تداس صورته بالأقدام , ولا يحب أن ترمى هكذا على الأرض , وكذلك صورة أبيه, وأمه, ولو رأى أحدا من الناس يفعل بصورته أو صورة أحد أقاربه وأحبابه ذلك لغضب عليه غضبا شديدا ولا انتهره بقوة ، فلذلك يقال له لا تفعل بصورة غيرك ما لا ترضاه أن يفعل بصورتك ، وأحب للناس ما تحب لنفسك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : << لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه >> أخرجه البخاري و مسلم .
وأخيرا أوجه رسالة للذين يحبون أن تنتشر صورهم على صفحات الجرائد أن لا يعرضوا بصورهم التي أكرمهم الله بها للإهانة , فالمعرّف يعرفه الناس لسيرته الطيبة الحميدة ويحبوه حتى لو لم يروا صورته , فمن جعل الله له القبول في الأرض ، والحب في الناس فهو الفائز المكرم حتى لو عاش في الناس مجهولا ،والمبغض من بغضه الناس لسيرنه القبيحة حتى لو زين نفسه بالحرير والذهب, وبأجمل الألوان وأزهاها فالناس يبغضونه ويكرهونه لا محالة ، فمن لم يجعل الله له القبول ، فلا قبول له . ولعل لقائل أن يقول – وحق له ذلك -: هذه بعض الجرائد فيها الشرك , وبعضها فيه الكذب , و الباطل وتحريف الدين والفضائح وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين , والصور العارية الداعية إلى الرذيلة وإماتة الفضيلة , فماذا نفعل معها؟
فأقول وبالله التوفيق:
في حكم شراء واستعمال الجرائد
كتبه : أبو بكر يوسف لعويسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى آثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة إلى ذوي العقول والألباب، أذكرهم فيها بتعظيم السنة والكتاب كما أمر الملك الوهاب، ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
كل يوم تطلع فيه شمس الزمان تطلع معه علينا صحف كثيرة متنوعة تحمل في طياتها الحق والباطل، والغث والسمين، وكل إناء بما فيه ينضح، وكل فكر عما احتوى يفصح، والناس معادن ولهم مشارب، والطيور على أشكالها تقع فتتصفح, هذا في أحوال الناس وذاك في السياسة، وآخر في الاجتماعيات لا يبرح .. وهكذا.
ولقد اعتاد الكثير من الناس على شراء هذه الجرائد ، ليقضوا بها أوقاتهم ، ويطلعوا على أخبار من حولهم في هذا العالم المتصارع ، فمنهم من يأتي عليها كلها ، لايترك شاردة ولا واردة إلا قرأها ، ثم يدخرها للتاريخ ، ومنهم من يدخرها حتى إذا بلغت كمية معتبرة باعها ، ومنهم من يلقي فيها مجرد نظرة ثم يرمي بها ، ومنهم بين ذلك ، والملاحظ على غالبية الناس عدم احترامها، واحترام ما فيها ، فتجد الكثير منهم من يستعملها في أغراض دنيئة مختلفة ، فمنهم من يمسح بها زجاج السيارات ، وواجهات المحلات ، ومنهم من ينظف بها المنازل والمطابخ ، ومنهم من يبيعها على التجار ليزنوا فيها السمك والفواكه والخضروات ، ثم يرمي بها جميعا على الأرض أو في المزابل ، دون وعي أو تفكير في العواقب ، وهذه الأعمال مشينة لا تليق بالمسلم ، فليس من شيم المؤمن ولا من كرمه إهانة ما عظمه الله ورفعه مما يحمل العلم ، حتى لو كان مخالفا لمعتقده ، فلا ينبعي له إهانة تلك الجرائد عامة ، وبالخصوص تلك التي تصدر باللغة العربية ، لغة القرآن الكريم ، وكلام الله العظيم ، ولبيان وتوضيح الحكم الشرعي أذكر العلل التي من أجلها ينبغي أن ترفع ، وتحترم ويحافظ عليها ومن ثم يُبنى عليها ذلكم الحكم ،لأن القاعدة تقول : الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، وإليكموها باختصار .
1- ما تحمله من آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وأسماء الله وصفاته كعبد الرحمن، وعبد الله ، وعبد الوهاب ،وعبد المنان ، وعبد الأعلى وغيرها.. مما يذكر من الأسماء مما عُبد لله تعالى واشتق له منه صفة تليق بجلاله وكماله ، فاستعمالها في تلك الأعمال ، وبتلك الطرق إهانة لها ، ولما تحمله من كلام العزيز الحكيم ، وكلام رسوله الرؤوف الرحيم ، وإهانة لأسماء الله وصفاته ، التي تحملها أسماء عبيده ، ، فإذا لم تحفظ في أماكن طاهرة عالية ، ورميت على الأرض ليطأها المارة بأرجلهم ، ولو دون قصد منهم، يكون الرامي لها متسببا في إهانتها ، ومشتركا في هذه الجريمة التي لم يقصدها المار ، أو أنها ترمى في المزابل لتخلتط بالنجاسات والقاذورات ، فهذه أعمال سيئات ، ينبغي على المسلم أن يتنزه عنها ، والأقبح من ذلك أن ترى في مغاسل السيارات أكوام من الجرائد لا تستعمل في مسح الزجاج فحسب ، بل توضع على الأرضية الأمامية لمقعد السائق ومن بجنبه ليضع عليها رجليه حتى لا تتسخ تلك الأرضية ، ولاحرج عنده أن يطأ كلام الله ، وما في معناه ، ويتسخ كلام الله ورسوله ويداس بالأقدام ويهان، وفتاوى ورثته من بعده وغير ذلك من أمور العلم بأوساخ ما يحمله حذاء صاحب السيارة وصاحبه ، مع أن هؤلاء إذا جاء أحدهم إلى المسجد نزع حذاءه ، بل يجد على إحدى أسطوانات المسجد القريبة من الباب . من فضلك انزع شرابك ، فينزعه حفاظا على نظافة المسجد – زعموا – أما أن يرى الجريدة توضع تحت قدميه ، وفيها كلام الله وأسمائه أو صفاته ، وكلام رسوله ، فهذا يدوسه ولا يبالي ، أو هو في غفلة تامة عنه ولا ينتبه إليه ، كما لا ينتبه المسلمون لما يحاك لهم ليس في الظلام ، وإنما في الضوء والعلانية ..والأقبح من هذا كله أن ترى من يحمل زجاجات الخمر في هذه الجرائد التي تحمل كلام الله وأسمائه وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
2- هذه الجرائد تصدر باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، لغة الإعجاز، لغة التحدي والتصدي، فإهانتها إهانة للكتاب العزيز، إهانة للإعجاز، وتعظيمها تعظيم لكلام الله ورسوله، وتعظيم لما شرفه الله وعظمه بقوله:{{ قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون }} وقوله:{{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون }} وقد تكرر التنبيه إلى عربيته في ستة مواضع من القرآن الكريم، كل موضع وما يناسبه، ففي الآية الأولى ذكر سبحانه: أنه عربي غير ذي عوج أي ليس فيه اعوجاج، ويفهم منه أن العربية الفصحى التي نزل بها القرآن لا اعوجاج فيها، وختمها بقوله لعلكم تتقون، وفي الثانية ذكر أنه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون فتفهموا المراد منه لأنه بلسانكم، وفي الثالثة قال:{{ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون }} فذكر أنه فصل آياته بالعربية التي لا اعوجاج فيها ، ولا ألغاز، ثم ختمها يقوله لقوم يعلمون ،أي المراد من الخطاب، وفي رابعة قال : {{ وكذلك أوحينا إليك قرآن عربييا لتنذر أم القرى ..}} فأوحى الله إلى نبيه بقرآن عربي مبين أو واضح، مفهوم المعنى لا يشكل على من نزل بلسانهم، لينذر به ومن بلغ، غير ذي عوج أي فصيح لأنه عربي، والعربية كذلك وهو لقوم يعقلون عن الله مراده فيعلمون ما أراده منهم فيتقون بما علموا من بلاغته وإعجازه، وبما عقلوا من فصاحته ، وأحكامه ،ومن تمام التقوى للذين يعقلون أنهم يعظمون القرآن وما تضمنه لأنه كلام العزيز الحكيم ، فعن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل قالت << القرآن أفضل من كل شيء دون الله ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه ، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ، ومن لم يوقر القرآن فقد استخف بحق الله وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده ، والقرآن شافع ومشفع ..>> أنظر له كنز العمال للتقي الهندي [1/360-361]المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد. قال أبو نصر السجزي في الإبانه: هذا أحسن الحديث وأعذبه، وليس في إسناده إلا مقبول ثقة.
أما الصحف التي تصدر بغير العربية فعلى المسلم أن يحترمها، وأن يحفظها أيضا ولا يهينها لأنها تحمل أيضا أسماء الله، وتحمل فوائد علمية دينية ودنيوية، والإسلام يأمر أتباعه بالتأدب مع العلم أي كان مصدره حتى لو كان محرفا أو فيه شيء من الباطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم التوراة مع علمه بأنها محرفة ،ومبدلة ، فقد أخرج أبو داود في سننه حديثا بوب عليه باب تعظيم المصحف وتوقيره ، عن ابن عمر قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله إلى القف {وهو واد بالمدينة }فأتاهم في بيت المدراس {أي المكان الذي يدرسون فيه } فقالوا : يا أبا القاسم : إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم .فوضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال: << إيتوني بالتوراة >> فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها، ثم قال: << أمنت بك وبمن أنزلك ..>> والحديث حسن أنظر له صحيح سنن أبي داود [ح3739]فهذا رسول الله لما وضعت التوراة على الأرض مع تحريفها وما فيها من الباطل رفعها واحترمها ووضعها فوق الوسادة التي وضعت له ليجلس عليها، فعلى المسلم أن يتأدب بآداب الإسلام مع الثقافات الأخرى اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم حتى لو كان فيها شيء من الباطل أو أغلبها باطل ، مما يخالف معتقده ، وإنما يحترمها لما فيها من الحق ولو كان سيئا يسيرا ، واضعف الإيمان أن تحفظها أو أن تحرقها .
3 – ما تحمله من الصور: لا تخلوا جريدة من الجرائد من صور بني آدم، وهذه الصور توضع للتعريف بأصحابها، أو للإشهار بها؛ أو بما عندها، وفيها صور لأناس كبراء وعلماء فضلاء ، ومفكرين نجباء ، من مبدعين وباحثين ومجتهدين عقلاء ،كل حسب اختصاصه، ولقد كرم الله سبحانه وتعالى بني آدم على غيره من المخلوقات قال سبحانه :{{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ..}} وذلك التكريم يشمل بني آدم كلهم، بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم ودياناتهم، وتكريمهم بالعقل الذي يميزون به بين الحق والباطل, ومن تكريمهم أيضا خلقهم في أحسن صورة, وفي أحسن تقويم فتبارك الله أحسن الخالقين.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:<< إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه, ولا تقل قبح الله وجهك ووجه من شبه وجهك, فان الله تعالى خلق آدم على صورته >> الصحيحة [862]ومن هنا أوجه نداء للعقلاء من المسلمين أن لا يرموا هذه الجرائد في المزابل وعلى الأرض حتى لا يداس ما فيها من الآيات والأحاديث والصور بالاقدام , ولا يستعملوها في أغراض دنيئة , كالاستنجاء بها , و الجلوس عليها , وإزالة الأوساخ بها , وعليهم أن يكرموها , تكريما لما كرمه الله تعالى , وتشريفا لما شرفه الله ورفع قدره إذ جعله خليفته في الأرض , فكل واحد منا لا يحب أن تداس صورته بالأقدام , ولا يحب أن ترمى هكذا على الأرض , وكذلك صورة أبيه, وأمه, ولو رأى أحدا من الناس يفعل بصورته أو صورة أحد أقاربه وأحبابه ذلك لغضب عليه غضبا شديدا ولا انتهره بقوة ، فلذلك يقال له لا تفعل بصورة غيرك ما لا ترضاه أن يفعل بصورتك ، وأحب للناس ما تحب لنفسك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : << لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه >> أخرجه البخاري و مسلم .
وأخيرا أوجه رسالة للذين يحبون أن تنتشر صورهم على صفحات الجرائد أن لا يعرضوا بصورهم التي أكرمهم الله بها للإهانة , فالمعرّف يعرفه الناس لسيرته الطيبة الحميدة ويحبوه حتى لو لم يروا صورته , فمن جعل الله له القبول في الأرض ، والحب في الناس فهو الفائز المكرم حتى لو عاش في الناس مجهولا ،والمبغض من بغضه الناس لسيرنه القبيحة حتى لو زين نفسه بالحرير والذهب, وبأجمل الألوان وأزهاها فالناس يبغضونه ويكرهونه لا محالة ، فمن لم يجعل الله له القبول ، فلا قبول له . ولعل لقائل أن يقول – وحق له ذلك -: هذه بعض الجرائد فيها الشرك , وبعضها فيه الكذب , و الباطل وتحريف الدين والفضائح وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين , والصور العارية الداعية إلى الرذيلة وإماتة الفضيلة , فماذا نفعل معها؟
فأقول وبالله التوفيق:
الأربعاء يوليو 29, 2009 11:33 am من طرف abdelkrim
» القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد [ج1]
الخميس يونيو 04, 2009 8:48 pm من طرف abdelkrim
» التربية في الاسلام
الأربعاء يونيو 03, 2009 11:34 am من طرف abdelkrim
» أقوال السلف في حكم القراءة في صلاة النافلة من المصحف [ج1]
الإثنين يونيو 01, 2009 5:03 pm من طرف abdelkrim
» ترجمة الشيخ فركوس حفظه الله (2)
السبت مايو 30, 2009 9:45 pm من طرف abdelkrim
» تعريف الشيخ فركوس حفظه الله (1)
السبت مايو 30, 2009 9:42 pm من طرف abdelkrim
» فتاوي الشيخ فركوس حفظه الله نصيحة إلى أصحاب التسجيلات الإسلامية
السبت مايو 30, 2009 11:54 am من طرف abdelkrim
» فتاوي الشيخ فركوس حفظه الله في اكتمال العقد الشرعي بالعقد المدني
السبت مايو 30, 2009 11:52 am من طرف abdelkrim
» فتاوي الشيخ فركوس حفظه الله في كرامات الأولياء
السبت مايو 30, 2009 11:48 am من طرف abdelkrim